الاستهلال
يقال بأن مؤسس شركة فورد للسيارات قال يوما ” لو سألت الناس ماذا يريدون؟ لأجابوا: حصان أسرع!”بغض النظر إذا هنري فورد قالها فعلا أو لا، لكنها تحمل بين طياتها سلوك بشري متوارث وطبيعي جدا وهو انحيازنا للأشياء المألوفة واللي يؤثر على قرارتنا اليومية.. والمصيرية فكم مرة نويت تجرب طبق جديد في مطعك المفضل وفي لحظة القرار: أمزح أمزح صوت داخلي يقولك لا تتهور وخليك بالسليم أحسن فتطلب نفس الطبق اللي تطلبه من سنيييين ايش تتوقعوا أسباب هذا السلوك اللي يبقينا بدائرة اختياراتنا المعتادة؟بنجاوب هالسؤال وأكثر بالحلقة، خليكم مستعدين!
المُقدمة التعريفية بالبودكاست
مرحبًا بكم في بودكاست “أشياء صغيرة” المُقدّم لكم من شركة بيئة بسلطنة عُمان أنا “رياض عاشور” وهذي الحلقة الخامسة من بودكاست معرفي يأخذنا بجولة خفيفة وممتعة لفهم العالم العجيب للعادات والسلوك نبسّط فيها الطرق والاكتشافات اللي تساعدنا في بناء العادات المفيدة وترك العادات السيئة في بودكاست أشياء صغيرة رح نقترب من سلوكياتنا اليومية ونعرف ليش نمارسها وكيف ممكن نغيرها أو نغيّر من سلوكيات اللي حولنا كل هذا بالاستناد إلى مواد وبحوث علمية وسواءً كنت تبحث عن تغيير عاداتك انت كشخص أو تسعى للتأثير في من حولك وتغيير سلوكياتهم للأفضل فهذا البودكاست راح يكون إضافة مناسبة لقائمتك المفضلة.
إيش يعني انحياز؟
كثير مرات نكون بجلسة ما ويرن هاتف أحدهم ونصير نبحث عن هواتفنا ظنا بأن الاتصال لنا ليش معظمنا يملك نفس الرنة؟! ببساطة لأن قلة قليلة منا تغير نغمة الاتصال المُختارة مسبقا لنا من المصنع فتصير رنة هواتفنا متشابهه طبيعتنا البشرية تميل لإبقاء الأمور على ما هي عليه لأنها تعطينا شعور بالراحة والرضا لما رتم الحياة يظل مثل ما تعودنا عليه من دون تغييرات خوفا من التغيير.. وحرصا على تفادي المخاطر.هذي المشاعر والأفكار تندرج تحت تحيز معرفي أُطلق عليه مصطلح التحيز للوضع الراهن أو السائد أو بالإنجليزية Status Quo Bias من قِبل الباحثان ويليام سامويلسون William Samuelson و ريتشارد زيكهاوزر Richard Zeckhauser بعد عملهما على تجارب سلوكية عديدة تفسر لنا أحد أسباب اختيارانا لنفس( نكهة الآيسكريم أو الوجبة المفضلة) بكل مرة ومرة. فالصوت الداخلي اللي يدفعك نحو اختيارك المعتادما هو إلا خوفك من إنك تجرب الشيء الجديد وما يعجبك.. وتندم إذا فاتتك متعتك المعتادة! في وحدة من تجارب الباحثان المثيرة للاهتمام سلوكيا وضعوا مجموعة أشخاص في سيناريو افتراضي يطلب منهم يقرروا طريقة استثمار مبلغ مالي كبير ورثوه للتو وبالطبع قدموا لهم خيارات محددة وقسموا الأشخاص لمجموعتين بالمجموعة الأولى عُرضت عليهم الخيارات بشكل حيادي وبدون الإشارة لطريقة الاستثمار المستخدمة حاليا أما المجموعة الثانية فعُرضت عليهم نفس الخيارات ولكن مع خيار إضافي وهو “مواصلة الاستثمار بنفس الطريقة الحالية” واللي يعني بقاء الأمور كما هي عليه الآن .. بوضعها الراهن توصل الباحثان بنهاية التجربة إلى أن خيار الوضع الراهن كان المفضل للغالبية العظمى حتى لاحظوا بأنهم كلما زادوا عدد الخيارات المقدمة كنوع من التجربة كل ما يكون عدد مرات اختيار الوضع الراهن.. أكثر! بالواقع، ممكن يكون التحيز للوضع الراهن مفيد ببعض الأحيان في الحياة لأن يعطيك القدرة على خلق روتين وهذا شي مهم في خلق العادات الجديدة وهو الأمر اللي شرحناه بالحلقة الأولى من بودكاست “أشياء صغيرة” واللي تحصل رابطها بوصف الحلقة ولكن بأوقات كثيرة، يصبح التحيز للوضع الراهن الحاجز اللي يمنعك من الوصول لأماكن أرحب بالحياة ويوقف بينك وبين التجارب الجديدة والعادات المفيدة أو حتى السلوكيات الصحيحة التي يجب أن تتخذها إذا، كيف نعرف متى الوضع الراهن يكون في صالحنا ومتى يكون ضدنا؟ وهل في أسباب وراء تفضيلنا للمألوف من الأساس؟ وهل فعلًا الوضع الراهن ممكن يأثر على خياراتنا البيئية المختلفة؟ خليكم مستمعين!
ليش ننحاز؟
يا كثر المرات اللي حاولنا طرح حلول لتحسين طريقة عمل معين وننصدم بالرد المشهور: “احنا متعودين نشتغل كذا من زمان، ليش التفلسيف؟” هذي الجملة بالذات هي اللي تمنع الكثير منا من الانتقال لأوضاع أفضل! ولكن بنفس الوقت، ما نقدر دائما نلوم الأشخاص على تمسكهم بالوضع اللي تعودوا عليه لأنه يشوفونه خيارهم الآمن واللي بدونه رح يفقدوا السيطرة على حياتهم ولكن اللي نقدر نعمله هو إننا نفهم الأسباب اللي تشكل انحيازنا للوضع الراهن لنساعد أنفسنا واللي حولنافي تغيير السلوكيات والعادات للوصول لأسلوب حياة أفضل..يوضح لنا عالم النفس كريستوفر أندرسون Christopher Anderson بعض الأسباب بوحدة من دراساته اللي يذكر بها أن الوضع الراهن يمنحنا سكينة الاستقرار اللي ما نحتاج معه لتغيير آرائنا ومعتقداتنا.. وهذا الرتم الهادئ يحمل معه سبب آخر وهو تجنب جهد وتكلفة أي خطوة جديدة ممكن نندم بعدها! السبب الأخير ذكرني بمثل شعبي يقول إذا بغيت تحيرّه.. خيّره! وهذا بالضبط ما نمر فيه بعالمنا اليوم فوفرة الخيارات تشتتنا وتوترنا وتجعلنا نصاب بعبء الاختيار اللي يرجعنا بسرعة لدائرة المألوف والكثير منا ممكن يمر بهذي الحالة عند كل محاولة لمشاهدة فلم ليلة الجمعة بنتفلكس فنقضي ربع ساعة ندور ونبحث عن شيء رهيب وجديد في قائمة نتفلكس اللانهائية وآخر شيء نستسلم ونقبل بأيّ خيار نشوفه أمامنا أو نكمل متابعة المسلسل اللي ما كثير حابينه أصلًا
أمثلة حية لانحياز الوضع الراهن
وبالمناسبة ممكن الانحياز للوضع الراهن يكون جماعي أيضا! قبل سنوات من اليوم،
وفي غرب ألمانيا تحديدا، أجبر مشروع تعدين سكان مدينة على الانتقال لمنطقة قريبة مشابهة ولما أعطتهم الحكومة عدة خيارات لمخطط المدينة الجديدة ايش تتوقعوا اختاروا؟ اختاروا المخطط الأشبه بمدينتهم القديمة! بالرغم إنه لم يكن المخطط الأجمل أو الأحدث لكنهم اعتادوه.. فاختاروه!
لانحياز للوضع الراهن اللي نمارسه احنا كأفراد أو كمجتمعات سواءً بوعيّ أو بدون وعي ممكن يكون هو السبب في وضع عوائق وتحديات أمام قصص نجاحنا مؤخرًا مثلًا استمعت للمترجمة العُمانية شيخة الجساسية وهي تحكي حكايتها المُلهمة والرائعة وقصة كفاحها الاستثنائية في فعالية “تيد بالعربي” Ted أمام مئات الحضور فشيخة التي وُلدت مكفوفة وفاقدة لنعمة البصر قضت جزء كبير من حياتها وهي تُواجه الوضع الراهن لمن هم أمثالها سواءً في اللعب أو الدراسة أو العمل فمثلًا لما تخرجت من المدرسة الثانوية واجهت أحد أهم تحديات حياتها خلونا نسمع شيخة الجساسي وهي تحكي عن نفسها
https://tedinarabic.ted.com/ar/talk/fqdan-albsr-lys-eayq-a-litlaq-alenan-llimkanat
ولأن شيخة ما استسلمت أمام الوضع الراهن هي اليوم مش فقط خريجة تخصص ترجمة من جامعة السلطان قابوس ولكن كذلك هي أول عُمانية مكفوفة تحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بيدفوردشير بالمملكة المتحدة وهي كذلك أطلقت بودكاستها الخاص “بودكاست نور” واللي يساهم في نشر الوعي ودعم مجتمع ضعاف البصر وأهاليهم ولكن بالنسبة لي شخصيًا فأشوف إن مساهمتها الأروع كانت في أنها ساهمت في تغيير الوضع الراهن للمكفوفين فيما يخص تخصص الترجمة وتيسير الطريق أمام الأجيال القادمة إنهم يدخلوا هذا التخصص وبما أنني مُعجب جدًا بقصة كفاح شيخة ونضالها في مواجهة الوضع الراهن فأنصحكم بمشاهدة حديثها أمام “تيد” والاستماع لبودكاستها وزيارة موقعها الشخصي واللي راح تحصلون روابطهم في وصف الحلقة.
ما أعتقد إن هذي الحلقة عن الوضع الراهن بتكون كاملة بدون ما نتكلم عن واحد من أكبر الأشياء اللي أثرت على أوضاعنا الراهنة والسائدة في السنوات الأخيرة: جائحة كورونا فبينما كان للجائحة السلبيات والآثار السيئة اللي نعرفها كلنا ولكن ممكن نقول إنه من الجانب السلوكي كان فيه جانب مشرق بعض الشيء أثبت لنا بأن معظم الأوضاع الراهنة ممكن تجاوزها واستبدالها..فمثلا من كان يتخيل بأننا رح ندرس ونشتغل ونطلق منتجات ونطور خدمات ونوقع اتفاقيات عن بعد .. ومن المنزل؟ أو إن معظم أغراضنا نقدر نشتريها أونلاين وكل وجباتنا ممكن نطبخها بالبيت؟ فليش ننتظر شيء آخر يدفعنا نحو التغيير الإجباري؟ وليش ما نبادر في تحدي الوضع الراهن من خلال التفكير بالعادات والخيارات اللي اعتدنا وجودها بحياتنا فنراقب ساعات يومنا ودوافع اختياراتنا ونتأنى بقرارتنا في المرة القادمة اللي تواجه بها موقف يحاول يغيرك وتشوف بأنك بدأت تقاوم تغيير ممكن يساعدك تحقق أحد أهدافك تمهل وحاول تعقد جلسة نقاش داخلية مع نفسك وتذكرها بأن اختيار “اللاشيء” له تكلفة..والخطوة اللي نأجلها اليوم بتصير أطول بكرة! السؤال اللي ممكن يطرح نفسه الحين هو هل ممكن نحاول استخدام الانحياز للوضع الراهن للصالح العام.. أو حتى للجانب البيئي؟! حقيقةً، نقدر! وفي مؤسسات وشركات قدروا يطبقوها بذكاء ففي المرة القادمة وأنت تطلب من تطبيق طلبات انتبه على الخطوة الأخيرة بتلاحظ بأنهم -مشكروين- استفادوا من انحيازنا للوضع الراهن ووضعوا خيار “بدون أدوات للطعام” كخيار تلقائي..مساهمين في تقليل استخدامنا للبلاستيك.
الخاتمة مع قصة السمكة
قبل لا أخليكم، بشارككم قصة قصيرة” يُحكى فيها بأن في فتاة اسمها سارة تطبخ طبق سمك يُضرب فيه المثل باللذة لدرجة أنه هو الطبق المُعتمد للمناسبات السعيدة دائمًا وبأحد الأيام زارتها صديقتها لتتعلم منها الوصفة، وحين بدأت سارة بإعداد السمك كان أول شيء سوته هو إنها قصت رأس وذيل السمكة فسألتها صاحبتها فضولا ايش السر؟ قالت سارة إنها ما تعرف السبب لأنها تعلمت الوصفة من والدتها فاتصلت بها تستفسر فردت أم سارة بإنها أيضا ما تعرف السبب لأنها أخذت الطريقة من والدتها! فاتصلت سارة بجدتها لأنه هي بعد أصابها الفضول! فضحكت الجدة لما سمعت سؤالها وقالت السبب البسيط يا بنتي لمقلاة اللي كنت استخدمها في زماني كانت صغيرة وما توسع السمك فأضطر أقطع راس السمكة وذيلها! العبرة هنا بأن تسليمنا للأمور وتوارثنا لها من غير التساؤل عن الخيارات المتاحة الأخرى ممكن يضيع علينا فرص كثيرة!
أخيرا، وأنت تستمع لهذه الحلقة هل جا ببالك حد يحتاج يسمعها؟ إذا.. شاركه الحلقة! وإلى حين موعد حلقتنا القادمة،
كونوا بخير.
مصادر
Status Quo Bias: What It Means and How It Affects Your Behavior
Status Quo Bias in Decision Making
How Powerful Is Status Quo Bias?
https://thebusinesspedia.com/why-nokia-failed
https://twitter.com/shai5a_aljasasi/stat…
https://www.weforum.org/agenda/2019/…
https://www.economist.com/1843/…