الاستهلال
هل تساءلت بيوم، ليش نسيت الغرض الأساسي اللي رحت عشانه المول؟ وبالمقابل اشتريت أشياء ما كنت تحتاجها أصلًا. وليش بآخر لحظة، قبل لا تدفع الحساب عند الكاشير تاخذلك علبة علكة؟ وليش ما تجلس مدة طويلة في مطاعم الوجبات السريعة؟ وليش لو ما ربطت حزام الأمان في السيارة؛ العداد يظل يزعجك بالصوت الحاد؟ هل فكرت بيوم كيف ممكن المحيط اللي حولنا يتحكم في سلوكنا؟ وإن قراراتنا في الحقيقة مش دائما قراراتنا وحدنا وفيه شركاء متخفيين يوجهونا بطرق غير محسوسة! إذا تحب تتعرف على شريكك المُقّنع في اتخاذ القرار خلك معنا في حلقة اليوم…
المُقدمة التعريفية بالبودكاست
مرحبًا بكم في بودكاست “أشياء صغيرة” المُقدّم لكم من شركة بيئة بسلطنة عُمان أنا “رياض عاشور” وهذي الحلقة الرابعة من بودكاست معرفي يأخذنا بجولة خفيفة وممتعة لفهم العالم العجيب للعادات والسلوكونبسّط فيها الطرق والاكتشافات اللي تساعدنا في بناء العادات المفيدة وترك العادات السيئة في بودكاست أشياء صغيرة رح نقترب من سلوكياتنا اليومية ونعرف ليش نمارسها وكيف ممكن نغيرها أو نغيّر من سلوكيات اللي حولنا كل هذا بالاستناد إلى مواد وبحوث علمية وسواءً كنت تبحث عن تغيير عاداتك انت كشخص أو تسعى للتأثير في من حولك وتغيير سلوكياتهم للأفضل فهذا البودكاست راح يكون إضافة مناسبة لقائمتك المفضلة.
أثر البيئة المحيطة
قبل لا نجاوب على الأسئلة في بداية الحلقة، خلني أسألك! هل مر عليك يوم مزدحم كنت تركض فيه من اجتماع للثاني وكنت متضايق من بعض الأعمال ومعصب على بطء زملائك وفجأة يجيك إشعار من قروب واتساب العائلة والدتك الله يحفظها راسلة صورة للأحفاد..وجوه بريئة تضحك وتلقائيًا الصورة ترسم على وجهك إبتسامة لا إرادية وتهدأ أعصابك -ولو شوووية- إذا مريت بموقف مشابه وبتفاصيل مختلفة، فأنت ما وحدك اللي هدّاك وجه طفل بريء! لأن الوجوه البريئة للأطفال كانت قوة ناعمة لردع الشغب في أحد المدن البريطانية بيوم من الأيام!
هذا المقطع اللي سمعناه يحكي عن حوادث الشغب اللي حصلت ببريطانيا في 2011 ومنها في بلدة غرينتش Greenwich واللي تضررت نتيجةً لها العديد من الممتلكات بما فيها المتاجر ولما مجلس البلدة قرر يستعين بالمختصين لحل هذه المشكلة جا في بالهم السؤال اللي سمعناه بالمقطع واللي هو كيف ممكن يتحوّل الجانب الخارجي من الباب الحديدي للمتاجر إلى جزء من الحل؟ وكان الجواب في حملة لرسم صور صور أطفال أهالي المنطقة على الجانب الخارجي من الباب الحديدي للمتاجر فلما يجي الليل وتغلق المتاجر أبوابها ويرجع كل شخص لبيته تكون رسومات وجوه الأطفال البريئة والضاحكة هي أول من يستقبل جماعة الشغب وهم جايين لممارسة فوضاهم وهذه الوجوه الجميلة والطفولية كانت مهمتها في الحقيقة هي خلق شعور الحنية والتعاطف لدى المشاغبين وبالتالي تقليل الرغبة في العنف والتخريب وفعلًا هذا اللي حصل وأثبتت النظرية اللي استندت عليها الحملة صحتها
وقلّ الشغب بصورة ملحوظة بالإضافة إلى التخريب في الممتلكات العامة وبإمكانك تشوف هذي التجربة وأثر هالحركة البسيطة ظاهريًا في مقطع اليوتيوب اللي تحصل رابطه في وصف الحلقة، ممكن تتساءل في نفسك الحين: وطيب ايش هو الدرس المستفاد من هذي التجربة؟ الدرس ممكن نلخصه في كلمتين: البيئة المحيطة وهذا هو موضوع حلقتنا لليوم،
وعن كيف يمكن للمُحيط من حولنا إنه يأثر على قراراتنا وعلى عاداتنا وسلوكياتنا سواءً شعرنا بهذا أو لم نشعر طيب كيف ممكن تستفيد من فكرة تأثير البيئة المحيطة في حياتك؟ عن طريق أنك تحافظ على محيط مناسب ومساعد لتثبيت عادة معينة في حياتك، مثلًا لو كنت تبغى تحافظ على المعدل الطبيعي لشرب الماء يوميًا تقدر تخلي جنبك على طول غرشة الماي وأنت في البيت والمكتب والسيارة ، وبتصير كلما لاحظتها حولك تتذكر تشرب ماي وبالتالي تحقق هدفك اليومي. وكذلك بالنسبة للعادات الأخرى،
مثلا لو نويت تقلص ساعات استخدامك للشاشات خلي من البداية أجهزتك على الصامت، ولو تحب تقلل من استخدام الأكياس البلاستيكية في التسوّق تأكد دايمًا من وجود كيس قماشي في السيارة تقدر تعيد استخدامه وكذا، لحد ما توصل لبيئة محيطة تساعدك لتصحيح عاداتك بشكل صحيح..
السلوك الاستهلاكي والمكان
طيب خلنا نرجع للأسئلة في بداية الحلقة، حاول تتذكر آخر مرة دخلت المول عشان تشتري جوتي الرياضة-اللي بتحطه لاحقًا قدام الباب عشان يذكرك تمشي كل مساء- مثلًا، وتتفاجأ بعد فترة بنفسك أنك دخلت أغلب المحلات واشتريت اشياء كثيرة إلا جوتي الرياضة اللي كنت اصلًا جاي عشانه! حصل ولا ما حصل؟ في هذه الحالة أنت مريت بما يعرف ب Gruen Effect واللي توصف لحظة دخول الناس إلى محل – يكون شاطر بالأغلب- ويعرف يلعب بحواسهم ويطابق خيالاتهم عن أنفسهم..مما يدفعهم لشراء أشياء ما كانت في قائمة تسوقهم لهذاك اليوم من الأساس.. هذا التأثير سُمي على اسم معماري أسترالي كان يزور مقاهي وأسواق فيينا وكان مبهور بقدرتها على جعل الإنسان يغرق بتجربة المكان لدرجة إنه ينسى ليش هو جا هنا أصلا؟ وطبعا هذا يأثر على قراراته الشرائية بشكل مباشر.. ولهذا السبب قرر ينقل هذا المعماري الفكرة لأميركا.. وتحولت الفكرة وتطورت إلى أن أصبحت بشكل المول اللي نعرفه اليوم بعد ما كانت مجموعة متاجر موزعة في أماكن مختلفة، هل تذكرت تجربة تسوق مشابهة خضتها قريبا؟حقيقةً، أنا تذكرت رحلتي الأخيرة لمتجر إيكيا، المتاهة اللذيذة! وآيكيا اللي مرتبطة بأذهاننا بمشهد ترتيب الأثاث اللي نشتريه منها بأنفسنا قدرت تقدم تجربة سابقة لعصرها في استغلال أثر البيئة المحيطة. تجربة اعتمدت فيها على أثر Gruen Effect وصنعت لنفسها تصميم (المسار الثابت /المسار الواحد) أو بالإنجليزي fixed path
واللي يخليها تتميز عن معظم المحلات اللي -كما يقال- يشوف بها العملاء تقريبا ثُلث المنتجات فقط! وهذا بعكس إيكيا اللي تخليك فترة أطول مما يعني إنك تتعرض لمنتجاتها بشكل أكبر هذا بالإضافة إلى اهتمامهم بتفاصيل أخرى تجذب جميع حواسك جدران بيضا وألوان أثاث متناسقة ومنعشة أصوات وروائح تتناسب مع أجواء المكان إضاءة ساطعة مركزة على بعض المنتجات ساحة لعب أطفال وطبعا المطعم الشهير! واللي إن كنت تظن بأنه موجود بإيكيا فقط لغرض إسكات جوعك .. فكّر مرة ثانية، آيكيا تدرك أثر ريحة الأكل وطعمه على سعادتك! وطبعا مزاج أفضل هو بالغالب فرصة لتسوق أكثر حتى إنهم عارفين أهمية جلسة الأكل والنقاشات اللي محتمل بنسبة كبيرة تحمل معها قرار شراء حتمي خاصة بعد ما تمتلء البطون بالأكل.. والعقول بالدوبامين..حتى تخيل بأن أحد رؤوساء إيكيا قال بأنهم داخليا كان يسمون كرات اللحم : أفضل بائعي صوفات! سر أرباح آيكيا الخفي، هو هندستها للبيئة المحيطة للمتسوق، وإعطاءه تجربة تسوق استثنائية من خلال تهيئة المكان المثالي للاستمتاع والشراء وهنا يبرز أثر البيئة المحيطة وقدرته على تغيير سلوكنا ويخلينا نتساءل كم من الشركات الكبيرة حول العالم ربحها قائم على تهيئة البيئة المحيطة للمستهلك؟ياسلام عليهم، خلوك تدفع وأنت مستانس! لكن هذا يخلينا نتساءل ايش فاتنا عشان نطبق كل هذه الأفكار ونخلّي سلوكياتنا البيئية مهندسة بالمليميتر؟
تأثير الأقران
لكن هل نحن نتأثر بالمكان فقط؟ هل تتوقع بأن جارك ممكن يتأثر باختياراتك الظاهرية؟ أو العكس؟ ومثل ما قال العرب قديمًا بأن الصاحب ساحب؟ صدق أو لا تصدق في دراسات مثيرة للاهتمام تُأكد بأن معرفتنا باهتمام جارنا بالبيئة يزيد من انتباهنا ووعينا حول استخدام الطاقة بالمنزل، فبرغم إدراكنا بأثر توفير الطاقة على كوكبنا، إلا إننا نتشجع أكثر لما نعرف بأن اللي حولنا –وفي هذي الحالة جيراننا- يهتموا بالبيئة أيضا! إحدى شركات الكهرباء بأمريكا استغلت هذي الدراسة وصارت تضيف مقارنة بين استهلاك الفرد واستهلاك جاره في فواتيرها.. فتكتب في الفاتورة مثلًا أن هالبيت يستهلك طاقة أكثر من متوسط استهلاك الجيران وبالتالي يشعر أهل البيت بنوع من الذنب ولاحَظوا بأن ترشيد الطاقة ازداد بالمناطق اللي يعيش فيها أشخاص مهتمين أكثر بالقضايا البيئية واستطاعوا التأثير على جيرانهم بسرعة من خلال المعلومة المضافة في الفاتورة.اللي صار في هذه التجربة هو استخدام تأثير الأقران بصورة ذكية..في إدراكنا بأن سلوكياتنا وعاداتنا ممكن تنتقل للناس من حولنا.. وهذا مفتاح لباب كبير نحو فرص تغيير عظيمة..
كيف أصنع محيطي الخاص
يمكن بعد كل الكلام اللي سمعته،تفكر: طيب كيف أوظف هذه المعرفة في محيطي الخاص سواء كان من ناحية المكان أو الناس؟أول شيء، حاول تنتبه لسلوكياتك باليوم، وحاول تراقب العناصر المؤثرة عليها من بيئتك المحيطة! وبعدها اختر عادة تحب تمارسها أو عادة تحب تتوقف عنها واحرص على تهيئة المكان لذلك عبر إزالة العناصر المؤثرة أو إضافتها لهدفك الجديد في التغيير! مثلًا قبل لا تتسوق جهز معك قائمة الأغراض الضرورية وخليها ظاهرة أمامك وين ما وجهت نظرك! ثانيًا اتفق مع الاشخاص اللي رايح تتسوق معهم أنك اليوم راح تخفف صرف عشان يذكروك كلما نسيت!بهذه الطريقة راح تكثر عندك الحوافز اللي تمنحك شعور جيد لإكمال اللي بدأته ولتنفيذ القرارات اللي أخذتها في سبيل تحسين حياتك للأفضل.
الختمة
قبل الختام، هل تتذكر الأسئلة التي بدأنا بها؟ وهل عرفت إجاباتها؟إذا عرفت، برافو عليك!وإذا لا، ما عليه بنغششك الحين! انت غالبًا تاخذ لك علبة العلكة قبل الدفع لأنه وُضع بشكل متعمد في مكان تراه عينك لمدة كافية عشان تقرر شراءه بداعي الرغبة.. أو الملل! وأما بالنسبة لمطاعم الوجبات السريعة فعدة عناصر تتداخل لتشكل لنا تجربة سررريعة من تصميم الكراسي غير المريح إلى الموسيقى الحماسية وأسلوب الموظفين في التنظيف السريع بعد كل وجبة، اللي يخليك تستعجل! والصوت المزعج في السيارة لما تبطّل حزام الأمان وضع بالعمد لإزعاجك عشان تلبس الحزام وتتخلص منه! أخيرا، تذكر أن بيئتك المحيطة هيّه مفتاح سلوكك، وأنها ممكن تساعدك وبشكل كبير على الاستمرار بعادة جيدة تحب تضيفها في حياتك! ووكذلك أن نحن كبشر عبارة عن نسيج متصل بالأشياء اللي حولنا مهما كانت صغيرة ونعتقد أن تأثيرها فينا بسيط لكن هي توجهنا لفعل معين ومكرر له تأثير كبير على حياتنا! ونقولكم في نهاية الحلقة، أن الأشياء العظيمة، تبدأ بأشياء صغيرة!
لا تنسى تشارك الحلقة، ونلقاكم في حلقة أخرى على خير بإذن الله.
مصادر
Nudge: The Final Edition: Improving Decisions About Money, Health, and the Environment
Knowing your neighbor cares about the environment encourages people to use less energy