الاستهلال
بعد تغيبي المتكرر عن جلسات الشباب عاتبني أحد الأصدقاء مؤخرا بقوله: “غيرتك كورونا علينا!”، كلام صاحبي خلاني أفكر ب “العادات في زمن الكورونا”
وكيف تغير نظام عالم بأكمله وجلست أفتش عن الوصفة السحرية للتغيير اللي عاشها الإنسان في الفترة الماضية اللي خلالها سرقت كورونا روتينا اليومي حدثت سلوكياتنا المعتادة استبدلت معظم عاداتنا بعادات جديدة، فصرنا نغسل ايدنا سطعش ألف مرة باليوم نسلم من بعيد لبعيد ونطبخ أكلنا بالبيت، واليوم، بعد ما خفت حدة كورونا ونكاد نكون نسيناه
نتساءل هل رح ترجع حليمة لعادتها القديمة؟
المقدمة
مرحبًا بكم في بودكاست “أشياء صغيرة” المُقدّم لكم من شركة بيئة بسلطنة عُمان أنا “رياض عاشور” وهذي الحلقة الثانية من بودكاست معرفي يأخذنا بجولة خفيفة وممتعة لفهم العالم العجيب للعادات والسلوك ونبسّط فيها الطرق والاكتشافات اللي تساعدنا في بناء العادات المفيدة وترك العادات السيئة.
في بودكاست أشياء صغيرة رح نقترب من سلوكياتنا اليومية ونعرف ليش نمارسها وكيف ممكن نغيرها أو نغيّر من سلوكيات اللي حولنا كل هذا بالاستناد إلى مواد وبحوث علمية وسواءً كنت تبحث عن تغيير عاداتك انت كشخص أو تسعى للتأثير في من حولك وتغيير سلوكياتهم للأفضل فهذا البودكاست راح يكون إضافة مناسبة لقائمتك المفضلة.
كيف تتكون العادة؟
على الأغلب، علمتنا كورونا بأن هناك “أشياء صغيرة” وأخرى كبيرة في سلوكياتنا نراها الآن من البديهيات
ولكنها بيوم من اليوم ما كانت كذلك فتخيل مثلا أنه قبل ١٠٠ سنة، كان انتشار عادة تنظيف الأسنان بالمعجون محدود جدا، ٧% من الأمريكان فقط كانوا يملكوا معجون أسنان في منازلهم، وطبعا أثّر هذا بشكل سيء على صحة أسنانهم، خاصة بعد انتشار الأطعمة المحلاة، حتى تصور بأن بعض المسؤولين صرحوا بأن سوء الحالة الصحية للأسنان هو خطر يهدد الأمن القومي وذلك بعد انتشار تسوس الأسنان عند معظم المُجندين للحرب العالمية الأولى. إذا كيف تسللت هذه العادة لحياتنا؟ هل كان هذا بسبب انخفاض أسعار معجون الأسنان أو توفره؟أم من خلال فرضه عبر قوانين معينة؟ وهل قوة إرادة الإنسان للتغيير هو العامل الوحيد اللي يساعد العادات على التكاثر والانتشار؟ أهل العلم والاختصاص يخبروننا
بأن إرادتنا وحدها لا تكفي لبناء أو كسر عادة، فلما نحاول تغيير عاداتنا من دون فهم طريقة تكونها، نكون مثل اللي يحاول تركيب أثاث بيته بكتيّب ناقص التعليمات أو بقطع ضائعة!
انزين ايش هي القطعة الناقصة لحل أحجية العادات؟
تعالوا نكتشفها مع بعض عبر الرحلة السريعة اللي نمر فيها مئات المرات يوميا دون أن نشعر، تبدأ هالرحلة بمحطة “الإشارة” ” أو باللغة الإنجليزية cue وهو شعور أو مكان أو وقت أو طعم أو أي شيء آخر يُحفّز دماغك للقيام بالعادة بشكل لا إرادي فمثلا صوت المنبه هو إشارتك لبدء عادة تصفح السوشيال ميديا أول الصبح!
ونتيجةً لهذا التحفيز انت تحصل نفسك من غير ما تشعر
تستجيب لنداء الروتين، الروتين المخزن بدماغك فتترجمها لسلوك جسدي أو عقلي أو شعور نفسي وهذا الجزء أو المحطة الثانية اللي يمثل العادة اللي تود إبقائها بحياتك..
أو يحتاج إنك تتركه، ويمكن يخطر ببالك تساؤل الآن،
كيف تثبت العادة وتبقى مستمرة في حياتنا؟ببساطة لحاجتنا إلى الشعور اللي يتوّلد بسببها، فمثلا ليش احنا ندمن على نوع معين من المنبهات مثل القهوة والشاي بشكل مبالغ فيه وممكن يضر بصحتنا؟ السبب هو أننا نكسب شعور التيقظ والتركيز، وهذا الشعور هو محطة الرحلة الأخيرة ويُسمى “المكافأة” أو rewards بالإنجليزي جرعة سعادة يتلقاها الدماغ ويسعى للحصول عليها باستمرار من خلال تقمص دور المحقق كونان وهو يبحث عن إشارات في البيئة المحيطة توصله لهذا الشعور، هذه الرحلة تندرج تحت مفهوم
“حلقة العادة” أو Habit Loop ولتقريب الفكرة، بشارككم موقف حصل لي من مدة قصيرة: كنت أكتب رد طويل لمديري أشرح له عن استراتيجيتي القادمة في المشروع الكبير اللي نعمل عليه مع بعض، لما ضغطت زر الإرسال،
بديت أحس بضغط نفسي من كمية العمل المتبقي
وتوقعات المدير العالية فبدأت عادتي الأثيرة في قضم أظافري
وبعدها التوتر يقل تدريجيا..
هل استطعت تفكيك الموقف إلى مراحل حلقة العادة؟الإشارة بدأت وأنا أكتب الإيميل واللي حفزت شعوري بالتوتر هذا الشعور حفز الروتين المخزن في دماغي للتخلص من التوتر عن طريق قضم الأظافر.. عادتي المُحببة، والمكافأة هي طبعا اختفاء الشعور المربك..
يا لقدرة عقولنا الرهيبة! كل هذا يحصل بجزء من الثانية، إشارة. روتين. مكافأة. استيعابنا لهذي العملية يسهل فهمنا لطرق صنع عاداتنا وتشكل قراراتنا.
تناول مراحل “حلقة العادة” الكثير من العلماء والمختصين بعلم السلوك وقام العديد من الكُتاب بتلخيصها في كتب مُبسطة لعل أشهرها هو كتاب “قوة العادات” لـ تشارلز دويج Charles Duhigg وبالرغم من إن البعض يضيف لحلقة العادات مكونات أخرى أو التسميات قد تختلف أحيانًا، ولكن الفكرة تظل نفسها: وهي إن العادات تعتبر حلقات متكاملة تُكرر نفسها ولا تقتصر فقط على السلوك أو الروتين لوحده، وحتى في ظل اختلاف طبيعة كل عادة إلا أن برمجيتها أو الـ DNA الخاص بها- إن صح التعبير- يبقى ضمن حلقة العادات.
مثلًا لما تقرر تقدم معروف للبيئة فيما حولك وتقرر تقلل من استخدام علب المياه البلاستيكية، خلي معك دائمًا مطارة ماي معدنية تقدر تعيد تعبئتها كلما خلصت، أو حتى تاخذ معك كوبك الخزفي أو الزجاجي المفضل لما تطلب قهوة أو شاي وأنت بالسيارة، كذا راح تدخل عادة استثنائية جديدة لحياتك.
أهمية فهم حلقة العادات
قبل لا نكمل قصة معجون الأسنان اللي ذكرتها في بداية الحلقة أحتاج منكم تتذكروا متى كانت آخر مرة حاولتوا فيها التوقف عن عادة معينة؟ إذا تذكرتم الموقف،
فعلى الأغلب تركيزكم كان على العادة نفسها أو الروتين اللي يشملها، ولكن الحين وبعد ما تعرفنا على حلقة العادة
نعرف بأن الإشارات والمكافآت جزء لا يتجزأ من عملية بناء أو ترك العادات وفي كتاب “قصة العادات” سرد دويج مجموعة قصص و أمثلة توضح إن تغيير العادات يتطلب منا التركيز على حلقة العادات كاملة وقصة تنظيف الأسنان كانت أبرزها بالزمن اللي كان فقط ٧٪ من الأمريكيين يملكون معجون أسنان، كان مندوبي المبيعات المتجولين هم من يبيعون المعاجين ضمن منتجات أخرى رديئة الجودة لكن هذا تغيّر لما تعاون شخص يُدعى “كلود سي هوبكنز Claude C. Hopkins” – وهو أحد أبرز قامات مجال الدعاية والإعلانات في عصره – مع شركة معجون أسنان تدعى ” بيبسودينت” Pepsodent للعمل على ترويج معجون الأسنان اللي رح يرسم ملامح عادة تنظيف الأسنان بشكلها الحالي، هوبكنز كان متأكد بأن فرص نجاحه بالطرق التقليدية قليلة جدًا خصوصًا مع ندرة استخدام معاجين الأسنان والمنافسة الشديدة لذلك بدلًا من التركيز على المنتج وأهميته وإزعاج الجمهور بمعلومات علمية عن أهمية تنظيف الأسنان حوّل تركيزه للجانبين الآخرين من حلقة العادة اللي هم الإشارات والمكافآت ركز هوبكنز على إشارة بسيطة جدا اكتشفها بالصدفة وهو يغوص بعالم الأسنان، الإشارة هي الغشاء اللي يتكوّن حول الأسنان بشكل طبيعي وبالرغم أن هذا الغشاء يُزال بالمضمضة..و بدون معجون، ويتكوّن مرة ثانية حتى بعد غسيل الأسنان إلا أن هوبكنز اختار هذه الإشارة لارتباطها مع كل من يسمع عنها فكانت رسالة الإعلان شيء قريب من: “جرّب تمرير لسانك على أسنانك، هذا الغشاء الذي تشعر به، هو سبب تسوّس أسنانك” ذكاء هوبكنز يكمن في أنه ركز على شيء موجود ويشعر به جميع الناس منذ الأزل وأعاد تقديمه كإشارة وحافز يدفع الجمهور للانتباه له وللقيام بشيء تجاهه لإصلاحه، بالأخص أن اكتشافه سهل! فقط مرر لسانك على أسنانك! من المثير للاهتمام أيضا أن ” بيبسودينت” استخدمت المكافآت أيضا، أي المرحلة الأخيرة لحلقة العادات، فكانت إعلاناتها تركز على أن معجونها سيجمل ابتسامات مستخدميها عبر تبييض الأسنان، وبيعطيهم إحساس جميل بطعم النعناع المنعش! مكافأة فورية!
العبقري هوبكن ركز على الإشارة والمكافأة من غير ما يغيّر من شكل العادة وميزاتها.. مساهما في مضاعفة عدد من ينظفون مستخدمي المعجون في أمريكا من 7% إلى حوالي 65% خلال عشر سنوات فقط! شفت كيف قوة حلقة العادة إن استخدمت استخدام صحيح!
حلقة العادات وبناء عادة جديدة
بعد قصة المعجون الظريفة والتعرف على حلقة العادات، هل جاء ببالك طرق معينة لبناء عادة تتمنى إدخالها لروتينك اليومي؟ بشاركك طريقتي حين بدأت أطبق حلقة العادات، لبدء عادة المشي يوميًا لمدة نصف ساعة أولا فكرت بأهم الاشارات اللي تذكرني بالمشي وقررت بإني استخدم أكثر من إشارة بنفس الوقت -زيادة الخير خيرين مثل ما يقولوا!- أولًا: حددت وقت محدد ثابت للمشي وهو الساعة ٨ مساء، ثانيًا: حطيت حذاء المشي في مكان واضح واللي كان في الصالة قريب من التلفزيون لأني بهذاك الوقت أكون خلصت مشاهدة مسلسلي المفضل بخصوص الروتين، بيني وبينكم. فضلت أن أكون واقعي، فبدأت أول كم يوم أمشي ربع ساعة وبكل يوم زدت ٥ دقايق إلى أن وصلت للهدف الأساسي: نصف ساعة، وحتى بالأيام اللي كنت مرهق فيها ساعدتني الإشارات في عدم التغيب، فالالتزام أهم شيء في عملية بناء العادة، وقليل دائم خير من كثير منقطع! أخيرًا نجي للجزء الأهم، للمكافأة! طبعا أنا متذكر بأن الدماغ يحب العادات للشعور اللي تحمله معها لذلك قبل ما ابدأ عادة المشي اليومي، وضعت لنفسي مكافأة واضحة ومنطقية
فأعطيت نفسي نصف ساعة ألعب فيها MineCraft لعبتي المفضلة في الهاتف بعد الانتهاء من المشي إذا الإشارة هي الحذاء والوقت الروتين هو المشي والمكافأة هي نصف ساعة لعب وهنيئًا لي العادة الجديدة!
حلقة العادات وكسر عادة قائمة
بناء العادات الجديدة يُعتبر نوعًا ما أسهل من التخلص من عادة قائمة تعودت عليها لسنوات لكن استيعابنا لمفهوم “حلَقة العادات” يُساعدنا في معرفة إن الدماغ يشجعنا على القيام بالعادة السيئة – السهر مثلًا – ما حبًا في السهر بحد ذاته، ولكن المكافأة اللي تجي من بعد ما نقضي وقت ممتع مع الشاشات فيما حولنا، مثل متابعة مسلسل ممتع أو الاندماج بشكل كلي في فيديوهات الانستغرام أو تيكتوك من غير إدراكنا للوقت، إذا كيف ممكن نغير السيناريو السابق؟ الإشارة لهذه العادة قد تكون شعوره بالتوتر والمكافأة تكمن في الشعور بالراحة في البداية على الشخص أن يكون واعي بالإشارة والمكافأة، ومن ثم عليه إنه أول ما يشعر بالرغبة تجاه السهر إنه ما يُقاوم هذا الشعور، بل يشبعها بعادة أخرى يحبها مثل استماعه لبودكاست أو كتاب صوتي وهو على السرير لحد ما يوصل لمرحلة النعاس. يحتاج هذا الروتين الجديد إنه يكون جيد بما يكفي ليشعر صاحبه بالمكافأة، واللي هي المتعة اللي كان يغذيها السهر. قد تتعدد الإشارات ومن الممكن العادة الواحدة يكون لها أكثر من إشارة مثلًا، الشخص المعتاد على السهر قد يمتلك إشارة غير المتعة والتشوّق لمشهد آخر في مسلسله تجعله يرغب بالسهر، ممكن تكون الإشارة هي تجمع الأصدقاء أو العائلة على شاشة واحدة مثلًا لمتابعة فلم معين، والتعامل مع هذه الحالة يكون عبر تقليل التعرض للإشارة كأن يطلب من جماعة السهر تقديم موعد الرمسة بحيث ما تتعارض مع وقت النوم. أو حتى تجنب المبالغة في شرب المنبهات مثل القهوة والشاي في فترة المساء لتجنب تأثيرها بعدين وقت ما تحط رأسك على المخدة وتبدأ رحلة طويلة مع السهر والأرق.
القفلة
من المبالغة نقول بأن مجرد معرفتك ب”حلَقة العادات” رح يضمن لك التحكم بجميع عاداتك لكنه خطوة صغيرة في هذا الطريق اللي نقدر نلخصه بنقاط أربعة
- أولا انتبه على إشارات ومكافآت عاداتك
- ثانيا عظم الإشارات والمكافآت لبناء عادة جديدة فمثلا خلي أكياس قماشية في سيارتك دائما، علبة ماي على بعد مدة إيد، كتاب جنب سريرك.
- ثالثا ابعد الإشارات للتخلص من عادة غير جيدة، ضع تلفونك على الصامت وقت العمل.. أو حط الحلويات بمكان تتكاسل تروحله بكثرة
- رابعا ادمج عادة صعبة بشيء تحبه.. مثلا اسمع بودكاست أشياء صغيرة وأنت تركض اليوم ☺ أو ادمج عادة مع سلوك متأصل عندك، فاربط إغلاق الأضواء عند الخروج من المنزل مع عادة وضع المفتاح في جيبك.
أخيرا، عتاب صاحبي قادني لاكتشاف عالم العادات أكثر واستوعبت سر العادات اللي اكتسبناها خلال كورونا من خلال فهم حلقة العادة. العادة الجيدة اللي اكتسبتها كانت النوم بدري – قدر المستطاع طبعا-
الإشارة كانت الحظر والمكافأة هي شعور النشاط في اليوم التالي وماذا عنك، هل استطعت تحليل العادة التي ترغب بتغييرها؟اسأل نفسك: أيش هي الإشارة اللي تدفعني للقيام بهذي العادة؟ وأيش هي المكافأة اللي أحصل عليها؟ لا تنسى تشارك الحلقة مع شخص
تظن بأنه مهم يفهم السر وراء العادات!
ونلقاكم على خير في الحلقة القادمة.
مصادر
يوتيوب : ٢٢٥- سيكولوجية العادات
يوتيوب : ملخص كتاب قوة العادات لتشارلز دويج: “لا تفعلوا هذه الأشياء” !!