الاستهلال
تخيل بأنك تقوم بيوم من الأيام وتكتشف بأنك قضيت حياتك كلها عايش بلعبة! كل خطواتك وتصرفاتك وقرارتك رهن إشارة شخص يجلس أمام شاشة كبيرة بضغطة زر يدفعك لتناول سلطة عالغداء وزر آخر يحفزك لشراء هاتف جديد، هذا السيناريو الخيالي قد يبدو مخيفا! ولكن بعض أحداثه قد تمت للواقع بصلة والتشابه بينه وبين الواقع ليس بمحض الصدفة! كيف؟ ابقوا معنا لنتعرف على الدوافع والحوافز المتخفية التي تتحكم بسلوكي.. وسلوكك!
المُقدمة التعريفية بالبودكاست
مرحبًا بكم في بودكاست “أشياء صغيرة” المُقدّم لكم من شركة بيئة بسلطنة عُمان أنا “رياض عاشور” وهذي الحلقة السابعة من بودكاست معرفي يأخذنا بجولة خفيفة وممتعة لفهم العالم العجيب للعادات والسلوك نبسّط فيها الطرق والاكتشافات اللي تساعدنا في بناء العادات المفيدة وترك العادات السيئة في بودكاست أشياء صغيرة رح نقترب من سلوكياتنا اليومية ونعرف ليش نمارسها وكيف ممكن نغيرها أو نغيّر من سلوكيات اللي حولنا كل هذا بالاستناد إلى مواد وبحوث علمية، سواءً كنت تبحث عن تغيير عاداتك انت كشخص أو تسعى للتأثير في من حولك وتغيير سلوكياتهم للأفضل فهذا البودكاست راح يكون إضافة مناسبة لقائمتك المفضلة..
مقدمة عن الحوافز
في وحدة من حلقات مسلسل ساينفيلد Seinfeld الشهير، نشوف جورج وهو يشرح لأصحابه حيلته الشريرة لإقناع زملائه ومديره بأنه مشغووول بالمكتب
مقطع من مسلسل ساينفيلد:
ففكرته في إنه يمثَّل وكأنه منزعج يقوّس حواجبه يتنهد بانزعاج مستمر ليبدو كأنه مركز ومصددددع من الأعمال وهو أصلا ما عنده شغل يسويه!!!! ليش جورج يستخدم هذي الحيلة؟ لإدراكه بأن هذا السلوك رح يأثر على نظرة فريقه له فيزيد تقديرهم لوجوده بالشركة، ويمكن حتى يحصل بونس جيد بنهاية السنة! سلوك جورج هو محاولة للتلاعب بمعتقدات وتصورات الناس للحصول على نتائج ترضيه فالشخص اللي يبدو دايمًا مشغول فهو أكيد شخص مهم فأحنا نميل لتشكيل آرائنا و أحكامنا على العالم اللي حولنا وإعطاء تبريرات وأسباب منطقية لسلوكياتنا، لأن عقلنا المزدحم بمية عملية عقلية ويحتاج طرق مختصرة! وهذي الاختصارات اللي نلجأ إليها تُعرف بالتحيزات المعرفية فكم من التحيّزات يتجول بخفة داخل عقولنا ولا ننتبه إلا على البعض منهن ويطوفنا الكثييييير ظنًا منا بأن قرارتنا مبنية على أسس متينة وحقائق رصينة وهي بالواقع مجموعة فلاتر من الرغبات الداخلية والحوافز الخارجية اللي مستلمة دفة قيادة سلوكياتنا!.
الحوافز اليومية
المقطع الآتي مشهد تخيلي آخر، بطله أنت: تركض نحو مكتبة الجامعة تستعد لامتحان مهم بكرة تستقبلك المكتبة بأضوائها البراقة وريحة القهوة القوية تحمسك للمذاكرة تجلس بزاويتك المفضلة للدراسة وقبل ما تبدأ، تاخذ لك جولة بصرية تتفقد أحوال اللي حولك على يمينك طالب واجد مركز شكله عنده تسليم بكرة وعلى الجانب الآخر من المكتبة مجموعة طالبات يتناقشوا نقاش حاد.. وقبل لا تكمل مراقبة الناس وتحليل أوضاعهم تذكر نفسك بأن ماشيّ وقت ولازم تبدأ تذاكر الحين بعد مضي ساعة من الدراسة الجدية ترفع راسك وتشوف المكتبة شبه خالية وين راح الطالب المجتهد؟ ونقاشات الطالبات الحماسية؟ كيف ما انتبهت على خروجهم وهم على بعد خطوات منك؟ اللي مريت فيه يا عزيزي هو نوع من التحيزات يطلق عليه مصطلح تحيز الانتباه أو بالإنجليزي Attentional Bias وهو اللي يسيطر على توجيه انتباهنا نحو أشياء معينة و تجاهل أشياء أخرى والمثال السابق مثال مبسط لإيصال الفكرة..فبحسب الدراسات، تؤثر عناصر عديدة على انتباهنا وأهمها مشاعرنا كالخوف والجوع والحزن. وهذا ما لاحظته خلال رحلة السوبرماركت الأخيرة وأنا جوعان!انتباهي كله راح على ركن الحلويات والتشبسات والتشوكلتات ونسيت شراء أي نوع من الخضار أو الفواكه لأني ما كنت منتبه ولا مركز وأنا أمر على هذاك القسم! في تحيز معرفي آخر مرتبط بتحيز الانتباه نقدر نشرحه من خلال تخيل لوحة مليئة بنقاط بيضاء مع وجود نقطة سوداء وحيدة.. على ايش بتركز أول شئ؟ الإجابة بديهية وهي النقطة السوداء! بالرغم من إنها وحدة من بين عشرات أو مئات النقاط، ولكن خلينا نتعمق في الموضوع ونفهم، ليش نميل للانتباه للشيء الغريب أو البارز أكثر من الأشياء الأخرى، احنا نعرف بأن عقلنا اللي يقوم بمئات القرارات يوميا، يحاول إيجاد طرق مختصرة توفر الجهد والوقت والتحيز للشيء البارز أو Salience Bias يساعده لتحقيق هذا الهدف فمثلا إذا قررنا نشتري سيارة هناك بعض العوامل التي نعلم في قرارة أنفسنا أهميتها كمعرفتنا كمية استهلاك السيارة للوقود..ولكن…لما ندخل معرض السيارات ونقابل سيارة أحلامنا وجهًا لوجه، السيارة اللي منطقيًا المفترض ما تشتريها وننبهر بشكلها ومواصفاتها هنا التحيّز يدفعنا لتضخيم مواصفات السيارة وتجميلها بعقولنا لأنها ببساطة أمامنا..نشوفها ونحّس بجمالها وفخامتها! فننسى العامل الأهم ونريّح عقلنا نتخذ قرار شراء السيارة وبعدها … غالبًا….نتورط! لذلك فالتحيز للشيء البارز هو باختصار تحيّزنا للأشياء اللي نشوفها أمامنا أو تتكرر معنا بشكل دائم ومستمر أو نسمع عنها دائمًا وهي بارزة في عقولنا ولكن يا أصدقاء، لا يقتصر أثر هذا التحيز على دائرتنا الصغيرة بل يمتد ليشمل دوائر أهم.. كالسلوكيات المرتبطة بالتغير المناخي اللي ما نلامس تبعاته أمامنا بشكل يومي.. مما يجعلنا – ومع الأسف- ما نعيره الانتباه اللي يستحقه.
الحوافز المرتبطة بسلوكياتنا المالية
“بكمل المشوار…تراني بادي بادي.. ودافع دافع” جملة شهيرة أصحابها كثر وكلهم واقعين في شباك تحيّز منتشر بكثرة بالكرة الأرضية يعرف بمصطلح التكلفة الغارقة Sunk cost واللي ببساطة يشير لصعوبة التخلي عن أمر استثمرنا فيه وقت ومال وجهد. فنستمر به لخاطر التكاليف المالية وحتى المعنوية.. تأثير تحيّز التكلفة الغارقة ممكن نلمسه بأبسط أشياء حياتنا مثل قرار إكمال فيلم بالسينما لأن دفعنا ثمن التذكرة! أو ممكن يكون سبب رئيسي يمنعنا من اكتشاف طاقاتنا الحقيقة كتمسكنا بتخصص دراسي غير مناسب لقدراتنا لأننا قطعنا شوط كبير إذًا.. في المرة القادمة اللي تسمع نفسك تقول: “بكمل المشوار…تراني بادي بادي.. ودافع دافع” تأنى قليلًا.. وحاول تتذكر بأن هذا الطريق ممكن يتسبب في إغراق تكاليف أكثر عن اللي خسرته للحين.. وتقبل فكرة أنه هدر أموال وطاقات إضافية ما راح تُعيد لك خساراتك والأهم إن إصرارك على إكمال المشوار الخاسر الحالي بيضيّع عليك فرص أخرى تستحق وقتك.. ومالك! في تحيّز آخر مرتبط بعاداتنا المالية، وهو وراء شعورنا بألم وندم أقل لما ندفع باستخدام البطاقة البنكية فالدفع الإلكتروني يعطينا مجال نصرف أكثر وما نحاسب لأننا ما نحس بألم الصرف مثل لما نلمس الفلوس ونشوفهم قدام عيونا ونحس بقيمتهم أكثر هذا التحيز اسمه شارح نفسه أصلا تأثير الكاش أو Cashless Effect… ولإثبات صحة النظرية قرر بروفيسور بجامعة تورنونتو Toronto إجراء استبانة قصيرة لمجموعة أشخاص يسكنوا في عمارة توفر خدمة غسيل الملابس الذاتية وسألهم إذا يعرفوا فائدة فصل الملابس الملونة عن البيضاء في عملية الغسيل؟ تقريبا كلهم اتفقوا بأنهم عارفين وفاهمين أهمية فصل الملابس.. ولكن أكثر من النص اعترف بأنه ما يفصل لأنه ما يريد يدفع مرتين مع العلم بأن بهذاك الوقت كان خيار دفع نقدي فقط.. بعد ما أضافت العمارة خيار الدفع بالبطاقة البنكية أعاد البروفيسور الاستبانة وسألهم إذا يفصلوا الملابس الملونة، عن الملابس البيضاء؟ والنتيجة انقلبت.. وصار أكثر من نصهم يفصل الملابس ويدفع مرتين مما أعطى البروفيسور إثبات حي لقوة الدفع بالبطاقة البنكية في تغيير خيارات أسلوب حياتنا.
كيف نتحكم بالحوافز
السؤال الأزلي لهذي الحلقة هو : هل نستطيع التخلص من هذه التحيزات؟ الجواب باختصار ووضوح هو لا، ولكن! نقدر نحسن قدرتنا من اكتشافهم أولًا: البحث أكثر بعالم التحيزات المعرفية وفهمها لتستطيع القبض عليها كل مرة تحاول فيه تتسلل ليومك. ثانيًا: تحليل المواقف والقرارات الخاطئة بحياتك لمعرفة أهم التحيزات المتحكمة بسلوكياتك. ثالثاًا: التأني في اتخاذ القرارات المهمة بالأخص إذا عندك شك في وجود تحيز، ما يخليك تشوف الصورة كاملة
الخاتمة
قبل أن نختم حلقة اليوم، أشارككم قصة قرأتها مؤخرًا، بطلها فيل صغير ربطه أحد الصيادين بسلسلة حديدية حاول الفيل التخلص من السلسلة لحد ما تعب ويأس واستسلم، وحتى لما غيّر الصياد السلسلة لأخرى سهلة الكسر، بقي الفيل في أسره، فتساءل ولد الصياد عن سبب بقاء الفيل على حاله، فقال والده احنا نعرف، بأن الفيل يقدر يكسر السلسلة ويخرج بسهولة ولكنه هو ما يعرف لأنه تبرمج على هذا الوضع فصار هذا هو واقعه وهو مستسلم له.. بنفس الطريقة التحيزات هي السلاسل التي تحيط قرارتنا وخياراتنا وإدراكنا بها ومحاولتنا لفهمها وتخطيها بيساعدنا في تحسين أسلوب أيامنا! نلقاكم في الحلقة القادمة، دمتم بخير.
مصادر
?Why do we focus on items or information that are more prominent and ignore those that are not
?Why do we focus more on some things than others
?Why does paying without physical cash increase the likelihood that we purchase something
5 tips for identifying—and avoiding—cognitive bias during a crisis
?Tackling Climate Change (1/2): Why Don’t We Act On Climate Issues
?Is Cognitive Bias Affecting Your Decisions
You Should Be Paying Attention(al) to this Bias